أثر الاستغفار في حياة المسلم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ويعد:
فلا شك أن الاستغفار له أثر عظيم في صلاح العبد وسعادته واستقامة أحواله
وتخلصه من الآثام والشرور والفتن. ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يواظب على الاستغفار مائة مرة في اليوم والليلة كما ثبت في الصحيحين قال
النبي ـ صلى الله عليه وسلم : (إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في
اليوم مائة مرة).
إن الاستغفار يقوي صلة العبد بربه ويجدد العهد مع الله ويحقق عبوديته لأن
حقيقته يقول العبد أنا عبدك يا ربي قد أذنبت وقصرت في حقك فاغفر لي ذنبي
واسترني وتجاوز عني.
إن الاستغفار يتضمن اعتراف العبد بفقره لمولاه وحاجته لرحمته وإحسانه ولذلك
جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رسول صلى الله عليه
وسلم يقول: (إن عبدا أصاب ذنبا فقال يارب إني أذنبت ذنبا فاغفره لي فقال
ربه علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له ثم مكث ما شاء الله ثم
أصاب ذنبا آخر وربما قال ثم أذنب ذنبا آخر فقال يارب إني أذنبت ذنبا آخر
فاغفره لي قال ربه علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له ثم مكث
ما شاء الله ثم أصاب ذنبا آخر وربما قال ثم أذنب ذنبا آخر فقال يارب إني
أذنبت ذنبا آخر فاغفره لي قال ربه علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به
فقال غفرت لعبدي فليعمل ما يشاء).
إن الاستغفار يمحو الذنوب ويسترها ويطهر العبد من الخطايا والرزايا ولذلك
جاء في الحديث: (يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب
جميعا فاستغفروني أغفر لكم). رواه مسلم.
إن الاستغفار يحقق للعبد الرضا والطمأنينة وراحة البال لأن القرب من الله
يورث العبد ذلك. قال تعالى: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا
إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً).
إن الاستغفار يطرد الهم ويزيل الغم ويجعل روح المؤمن في سعادة وسرور وحبور
ولذلك روي في الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن
كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب). رواه أبو داود.
إن الاستغفار طريق لمحبة الله والفوز بمرضاته لأن الله يحب التوابين كما
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ
الْمُتَطَهِّرِين). وإذا استشعر المؤمن هذا المقام أكسبه ذلك سعادة وفرحة
وبهجة لا يحيط بها وصف ولا تفسرها كلمات.
إن الاستغفار يهذب النفس ويزكي الروح ويكسبها خشوع وسكينة وهدوء لأنه يطهر
القلب من الأدران ويطرد الشيطان ويصقل الروح ويطيب الخاطر ومن واظب عليه
عاش لحظات سعيدة من عمره.
إن الاستغفار يورث القلب انكسارا والجوارح تواضعا ويخلص العبد من الكبر
والخيلاء لأن المستغفر يشعر بحسرة الذنب قد كسرت قلبه المعصية ويطلب الستر
مطأطئ الجناح وهذا المقام ينافي الكبر ويقتضي الإخبات.
إن كثرة الاستغفار يحفظ اللسان من الآثام والعين من الخيانة والجوارح من الذنوب.
إن الاستغفار أعظم دواء وشفاء لمن أسرف على نفسه بالسيئات وصار أسيرا
للشهوات وأراد أن يحرر نفسه ويعتقها من عبودية الشيطان. قال قتادة: (إن هذا
القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم فأما داؤكم فالذنوب وأما دوائكم
فالاستغفار).
إن الاستغفار يحمل العبد على رحمة الخلق ولين الجانب معهم والتجاوز عن
زلاتهم لأن المستغفر يطلب التجاوز والرحمة من المولى فلا يليق بحال
المستغفر أن يؤاخذ غيره ممن أخطأ في حقه وينزل به العقوبة ولا يسامح. قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض
يرحمكم من في السماء). رواه الترمذي. ومن طمع في رحمة الله ومغفرته فليرحم
الخلق لتتنزل عليه الرحمات والنفحات.
إن كثرة الاستغفار ولزومه يحل الأزمات ويرفع البلاء وينفس الكرب ويحقق الفرج بعد الشدة.
إن الاستغفار يجلب الرزق ويبارك فيه ويوسع على العبد في دنياه وله أثر عظيم
في تيسير الأمور. قال تعالى: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ
غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً).
إن الاستغفار سبب عظيم بإذن الله لرزق العبد نعمة الولد. قال تعالى:
(وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً). ومن كان عقيما أو عنده مشكلة في الإنجاب
فليكثر من الاستغفار.
إن الاستغفار يزيد المؤمن قوة في بدنه وماله وولده وأهله ويقيه من الآفات
والعلل. قال تعالى: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى
قُوَّتِكُمْ).
إن الاستغفار يمنع من نزول العقوبة على العبد في الدنيا ويدرأ عنه العذاب
في الآخرة. قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ
فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
ويستحب الاستغفار للمؤمن في كل ساعة من ليل ونهار ولكنه يتأكد في مواطن:
1- في السحر. قال تعالى: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ).
2- عند الفراغ من صلاة الفريضة كما ثبت في السنة. والفراغ من الحج.
3- عند الوقوع في الذنب. قال تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ
نَفْسَهُ ثُمَّ يسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً).
4- عند حصول الغفلة والتعرض للشبهات والشهوات.
والاستغفار يجزئ بأي صيغة تتضمن طلب المغفرة والستر من الرحمن كقولك:
أستغفر الله. أو أستغفر الله وأتوب إليه. وقد ورد في النصوص بصيغ متنوعة
ومن أفضل الصيغ ما ورد في صحيح البخاري عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : (سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي لا إله إلا
أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت
أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).
وكذلك ما ورد في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن أبا بكر قال: يا رسول
الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال: قل : (اللهم إني ظلمت نفسي ظلمـًا
كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت
الغفور الرحيم).
فينبغي للمؤمن أن يغتنم فراغه بالاستغفار ويعود لسانه على المواظبة عليه
ويستكثر منه. قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (طوبى لمن وجد في
صحيفته استغفارا كثيرا). وقال الحسن : (أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلى
موائدكم وفي طرقكم وفي أسواقكم وفي مجالسكم وأينما كنتم فإنكم ما تدرون
متى تنزل المغفرة)